jeudi 6 avril 2023

 زواكة رمضان في القصر الكبير 


من التقاليد العريقة لمدينة القصر الكبير خلال عقود مضت، والتي ترسخت في وجدان ومخيال ساكنتها، "زواكة رمضان": تلك الصيحات السبع الآسرة بنبرتها العالية التي تصم الآذان ولكن تطربها في نفس الآن، وهي تعلن بداية الشهر الفضيل بمدينتنا. فنستقبلها ونحن أطفال بإثارة وفرح، وتدخل كل البيوت القصرية في جو من البهجة والسرور السرمديين.

كانت "الزواكة" أو صفارة الإنذار إلى عهد حديث، تمارس حضورا مهيمنا طيلة الشهر الفضيل وكرمز أساسي من رموزه، بما يحمله من ذكريات سنوية متجددة من جهة، وكوحدة قياس زمني لإعلان الافطار أو الإمساك عنه عند بداية رمضان وحلول عيد الفطر من جهة أخرى.  يقوم بإطلاق صفارة الإنذار هذه، أو "الزواكة "باللغة المحلية، أعوان مختصون  بهذه المهمة من مقر بلدية المدينة وذلك منذ نهاية الحماية الإسبانية على المدينة.


و"الزواكة" آلة من آلات النفخ الكهربائية التي ظهرت بالمغرب إبان الحقبة الاستعمارية، حيث جرى إحداثها من لدن سلطات الحماية الإسبانية إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية من أجل استغلالها كصفارة للإنذار خلال إعلان حالة التأهب بالمدينة وحظر التجوال فيها، أوالإشعار بأي هجوم مفاجئ.

والجميل أن إطلاق صوت "الزواكة " كان يتم مباشرة بعد بداية آذان المغرب بثوان حرصا على عدم المساس بقدسيته، وفي نفس الوقت المحافظة على هذه العادة الراسخة في الموروث الشعبي القصري. 

لكن بماذا نفسر لجوء السلطات المحلية إلى الزواكة كوسيلة إعلان رغم وجود المؤذن والآذان في المدينة ؟؟ 

هناك تفسيران لذلك :  الأول يذهب إلى أنه لجئ إلى "الزواكة"، في وقت لم تكن المدينة تعرف مكبرات الصوت التي توصل صوت المؤذن إلى أبعد مدى. وتفسير ثان يذهب إلى أن الزواكة استعملت من لدن الجماعات الترابية المتعاقبة،  لتوحيد توقيت الإفطار أو الإمساك بشكل قطعي حتى لا ترتبك الأمور على الصائم بتعدد الآذان وتفاوت إطلاقه بين مسجد وآخر. علما أنه قديما كان الآذان هو الوسيلة الوحيدة للإعلان عن الإفطار والإمساك، لكن مع التوسع الحضري للمدينة وبعد المساجد عن بعضها البعض لجئ   إلى " الزواكة" كوسيلة إعلان في شهر رمضان. 

مازلنا نذكر نحن أجيال الستينات والسبعينات والثمانيات، أنه عند غروب شمس كل يوم من أيام شهر رمضان كنا نستمتع معا بصوت "الزواكة " الذي ينذرنا ببداية الإفطار، حيث يبدأ صوتها مرتفعا ثم يبدأ في الخفوت تدريجيا كانت أجمل دقيقة وأشدها فرحا لنا كبارا وصغارا. وبمجرد إطلاق الزواكة تفرغ الشوارع بسرعة البرق من السابلة والسيارات والدراجات النارية لينصرف الكل إلى مهرجان الموائد الرمضانية الشهية.


ستظل "زواكة" رمضان تمثل أيقونة شهر الصيام في مخيال أجيال من القصريين التي تشع ببهاء الماضي القريب وألقه والتي لم تغادر ذاكرتنا إلى حد الآن. أتساءل لماذا تم التوقف عن هذا التقليد المأثور مع انه شكل تراثا رمضانيا كان لا يحلو الصيام بدونه؟؟؟.   

محمد العربي الجباري

lundi 30 janvier 2023

لماذا



لماذا علينا الاعتزاز بمدينتنا ؟

 
نعم، دائما ما تدفعني الشاعرية والنظرة الوردية المتفائلة لإبراز جمال ومفاتن مدينتي .. في محاولة مني لعكس التيار السائد: الاستلذاذ بالعزف على نغم السلبية والإحباط، والنظر الى الأشياء بتحسر وازدراء لا يتوقفان، والتندر طيلة اليوم بالمساوئ عوض الاستمتاع بمحاسن الأشياء المتوفرة والتغني بعطاءات الجغرافيا والتاريخ السخية التي لم نستكنه أبعادها العميقة بعد ..
 وما العيب في أن أحب مدينتي وأمجدها ؟؟ هكذا أنا متمرد بطبعي ومنشق على بيت الطاعة الفكري السائد .. لا أرى إلا الجمال والأنس في مدينتي التي لا أقبل عنها بدلا ؟؟ أليس لي الحق في الاختلاف.. أليس الاختلاف رحمة كما قال السلف ؟؟؟ أليست هي المدينة التي احتضنتني وصقلت شخصيتي وفجرت مكامني ؟؟؟ أليست هي موطن آبائي وأجدادي. ففي الثقافة الصينية، مسقط الرأس هو منزل وسكني أرواح الأجداد، هو مكان أصل العائلة الكبيرة للفرد، وقد يكون أو لا يكون المكان الذي يولد فيه المرء دائما.
دائما ما أحاول طرح الاسئلة التي تدفعنا الى التفكير والنظر إلى واقع مدينتنا المتغير، بحثا بحق عن الوصول إلي إجابات، مستلهما تجاربها الماضية. وتقديم رؤية استشرافية لمستقبل متغير للمدينة أمام واقع سريع التغير بعيدا عن الاجابات التقليدية.. فالمتغيرات والمستجدات تتلاحق.
فما من شك أن المدينة كائن حي ينمو ويمرض وتصيبه الشيخوخة ، وقد تعامل فرانك لويد رايت ( معماري أمريكي رائد عاش بين 8 يونيو، 1867 - 9 أبريل، 1959) مع المدينة ككائن عضوي. وألح على أن نكون معنيين وبكل مسؤولية بإبقاء هذا الكائن نابضاً بالحياة. كما أشار إلى أن التجارب هي التي تصنع المدن ككيان تاريخي وجغرافي. فلا تعدو المدينة أن تكون ركاما من التجارب الإنسانية والحضارية السلبية منها والايجابية. وهي التي تشكل شخصيتها على نحو مغاير لباقي المدن وبالتالي تصيغ توجهاتها في الحياة. يمكن للمدينة أن تتقلب في حياتها حسب الظروف وملابسات التاريخ وتتفاعل معه جدليا وتتذوق تجارب الآخرين من المدن والحضارات بشكل انتقائي يتناسب مع منظومة القيم التي صاغتها. لكن الجميل في كل ذلك أنها تبقى هي نفسها لها طابع خاص كأن هناك خيطا ناظما لها يرافقها منذ مرحلة التأسيس يعمل كمقياس لنفعية الاقتباسات الممكنة. وفي نفس الوقت تضفي هي نفسها على المدن الأخرى من تجاربها الحضارية ما يكسب هويتها غنى وتجددا. 
أعود إلى مدينتنا الغراء. فعلى الرغم مما أصابها ويصيبها من وهن نتيجة تنكرنا لها إراديا أو لا إراديا، وما تعرضت وتتعرض له من التهميش و محاولات ممنهجة لبدونتها، إلا أن ذلك لا يمنعها من أن تكون موطننا الروحي.. موطن كل قصري حر وغيور.. فهي لا زالت تحمل في طياتها وعبر ابنائها الخلص بذور الأصالة وتجتر معها مظاهر حضارية لا تنمحى، تنم عن ماض ثري بالانجازات ساهمت معه في بلورة الهوية المغربية. وهنا يطرح السؤال كيف السبيل الى مصالحة المغربي او القصري مع نفسه ومع واقعه مهما كانت درجة السوء التي تكتنفه؟؟؟ تلك إشكالية أصبحت تلازمنا للأسف. فالحياة قصيرة لكي نقضيها في التأسي والتندر.
شخصيا عندما يقتم علي النظر الى مدينتي، يكفي أن أستحضر ملحمة معركة وادي المخازن، او معركة القصر كما في الأدبيات التاريخية البرتغالية والاسبانية بل والاوربية ككل. إحالة الى قوة المكان الذي استعصى على الاختراق وعلى النفاذ الى العمق المغربي. فكانت القصر الكبير قلعة منيعة صنديدة حالت دون تنفيذ المخطط الخبيث لطمس هوية المغرب وقلعه من جذوره. فكان بمثابة الجبهة الأمامية الصامدة للمغرب من جهة وللمغرب الكبير من جهة أخرى.. فأستلهم منها روح التحدي واستمد منها مخزوني الهوياتي ..فتنجلي القتامة وينقشع الظلام عن إشراقة مدوية تغمرني لتصالحني مع نفسي ومع مدينتي.
على أنه في الحقيقة نحتاج إلى زرع ثقافة الحفاظ على المدينة، باعتبارها كائناً حياً. وذلك بإعادة تأهيل أحيائها ومعالمها التاريخية وشوارعنا، مع تحريرها من الباعة المتجولين وعربات الجر، التي لاتزال تنخر جسم المدينة، وتؤثر سلبا على جماليتها. لذا يجب وضع برامج التأهيل والتجديد وبمساهمة مختلف القطاعات والمؤسسات المعنية حفاظا على تراثها العريق وعلى هوية المدينة العتيقة ومعالمها الأصيلة، وإدماجها في منظومة تنموية تهدف إلى تثمين تراثها المادي واللامادي.

ومهما كان حال مدينتنا، فعلينا الاعتزاز بها. إذ في النهاية تظل تجربة حضارية ثرية، لها وقعها تضاف إلى كتاب تاريخنا المجيد الذي يمتد على مسار اثنا عشر قرنا و المليء بالتجارب والعبر.

محمد العربي الجباري