زواكة رمضان في القصر الكبير
من التقاليد العريقة لمدينة القصر الكبير خلال عقود مضت، والتي ترسخت في وجدان ومخيال ساكنتها، "زواكة رمضان": تلك الصيحات السبع الآسرة بنبرتها العالية التي تصم الآذان ولكن تطربها في نفس الآن، وهي تعلن بداية الشهر الفضيل بمدينتنا. فنستقبلها ونحن أطفال بإثارة وفرح، وتدخل كل البيوت القصرية في جو من البهجة والسرور السرمديين.
كانت "الزواكة" أو صفارة الإنذار إلى عهد حديث، تمارس حضورا مهيمنا طيلة الشهر الفضيل وكرمز أساسي من رموزه، بما يحمله من ذكريات سنوية متجددة من جهة، وكوحدة قياس زمني لإعلان الافطار أو الإمساك عنه عند بداية رمضان وحلول عيد الفطر من جهة أخرى. يقوم بإطلاق صفارة الإنذار هذه، أو "الزواكة "باللغة المحلية، أعوان مختصون بهذه المهمة من مقر بلدية المدينة وذلك منذ نهاية الحماية الإسبانية على المدينة.
و"الزواكة" آلة من آلات النفخ الكهربائية التي ظهرت بالمغرب إبان الحقبة الاستعمارية، حيث جرى إحداثها من لدن سلطات الحماية الإسبانية إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية من أجل استغلالها كصفارة للإنذار خلال إعلان حالة التأهب بالمدينة وحظر التجوال فيها، أوالإشعار بأي هجوم مفاجئ.
والجميل أن إطلاق صوت "الزواكة " كان يتم مباشرة بعد بداية آذان المغرب بثوان حرصا على عدم المساس بقدسيته، وفي نفس الوقت المحافظة على هذه العادة الراسخة في الموروث الشعبي القصري.
لكن بماذا نفسر لجوء السلطات المحلية إلى الزواكة كوسيلة إعلان رغم وجود المؤذن والآذان في المدينة ؟؟
هناك تفسيران لذلك : الأول يذهب إلى أنه لجئ إلى "الزواكة"، في وقت لم تكن المدينة تعرف مكبرات الصوت التي توصل صوت المؤذن إلى أبعد مدى. وتفسير ثان يذهب إلى أن الزواكة استعملت من لدن الجماعات الترابية المتعاقبة، لتوحيد توقيت الإفطار أو الإمساك بشكل قطعي حتى لا ترتبك الأمور على الصائم بتعدد الآذان وتفاوت إطلاقه بين مسجد وآخر. علما أنه قديما كان الآذان هو الوسيلة الوحيدة للإعلان عن الإفطار والإمساك، لكن مع التوسع الحضري للمدينة وبعد المساجد عن بعضها البعض لجئ إلى " الزواكة" كوسيلة إعلان في شهر رمضان.
مازلنا نذكر نحن أجيال الستينات والسبعينات والثمانيات، أنه عند غروب شمس كل يوم من أيام شهر رمضان كنا نستمتع معا بصوت "الزواكة " الذي ينذرنا ببداية الإفطار، حيث يبدأ صوتها مرتفعا ثم يبدأ في الخفوت تدريجيا كانت أجمل دقيقة وأشدها فرحا لنا كبارا وصغارا. وبمجرد إطلاق الزواكة تفرغ الشوارع بسرعة البرق من السابلة والسيارات والدراجات النارية لينصرف الكل إلى مهرجان الموائد الرمضانية الشهية.
ستظل "زواكة" رمضان تمثل أيقونة شهر الصيام في مخيال أجيال من القصريين التي تشع ببهاء الماضي القريب وألقه والتي لم تغادر ذاكرتنا إلى حد الآن. أتساءل لماذا تم التوقف عن هذا التقليد المأثور مع انه شكل تراثا رمضانيا كان لا يحلو الصيام بدونه؟؟؟.
محمد العربي الجباري